قصص الأنبياء مكتوبة للاطفال

قصص الأنبياء مكتوبة للاطفال

قصص الانبياء من اهم الاشياء التي يرغب الاهالي تعليمها لاطفالهم خصوصاً في بداية نشئتهم، والسبب طبعاً هو تعليم اطفالهم قصص الانبياء الحقيقة والصحيحة، لذلك ستجد في هذا المقال 7 قصص الانبياء مكتوبة للاطفال

قصة سيدنا آدم عليه السلام

في زمان بعيد جداً خلق الله تعالى أول إنسان واسمه آدم عليه السلام.

خلقه الله من الطين ونفخ فيه من روحه، وجعله أبًا لجميع البشر. عاش آدم في الجنة الجميلة مع زوجته حواء، حيث كانا ينعمان بكل أنواع النعيم دون تعب أو جوع. سمح لهما الله بالأكل من كل ثمار الجنة عدا شجرة واحدة معينة، وحذّرهما من الاقتراب منها

لكن إبليس – وكان شيطانًا شريرًا – لم يطِعْ ربَّه حين أمره أن يسجد لآدم فاستكبر ورفض.

فطرده الله من رحمته، فأقسم إبليس أن يغوي آدم وذريته ليعصوا الله مثله بدأ إبليس يوسوس لآدم وحواء أن يأكلا من تلك الشجرة المحرمة.

في البداية تذكر آدم وحواء نصيحة الله وتحذيره، لكن إبليس ألحَّ عليهما وقال: “هل أدلُّكما على شجرة الخلد؟ إذا أكلتما منها ستعيشان للأبد!”. وأخيرًا نَسِيَا وصية الله وأكلا من ثمر الشجرة المحرمة.

فورًا انكشفت لهما عوراتهما (أي أصبحا عاريين)، فشعرا بالخجل وأخذا يغطّيان أنفسهما بأوراق من أشجار الجنة.

غضب الله لأنهما عصياه، فأنزلهما من الجنة إلى الأرض. لكن الله رحيم؛ تاب آدم وحواء وندما على خطئهما أشد الندم وطلبا المغفرة بقلب صادق، فتاب الله عليهما وغفر لهما أصبح آدم وحواء يعيشان في الأرض ويزرعان ويعمّرانها، وأنجبا أولادًا كثيرين. وكان آدم عليه السلام يُعلِّم أبناءه عبادة الله وحده ويحذرهم من الشيطان؛ فهو العدو الذي كان سبب خروجهم من الجنة

نتعلم من قصة آدم أن الشيطان عدو لنا، فلا نطيعه أبدًا. وإذا أخطأنا فعلينا أن نبادر بالاعتذار والتوبة إلى الله، فباب التوبة مفتوح دائمًا، والله يحب التوابين.

قصة سيدنا نوح عليه السلام

كان نوح عليه السلام يعيش بين قومٍ يعبدون الأصنام وينسون الله.

أرسل الله نوحًا ليدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فبدأ نوح يعِظ قومه ليلاً ونهارًا سنوات طويلة. لكن أكثرهم سخروا منه ولم يستمعوا لكلامه. مع ذلك استمر سيدنا نوح صابرًا يدعوهم بالحكمة والمحبة، فلم يؤمن معه إلا عدد قليل من الناس.

بعد سنوات طويلة أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن أكثر من هذا العدد من قومه، وأمره أن يصنع سفينة كبيرة. بدأ نوح بصنع السفينة من الخشب، فكان قومه يمرون ويسخرون منه؛ كيف يبني سفينة ضخمة على اليابسة بلا بحر؟! قال نوح: “إن سخرتم منا اليوم فسنرى من يضحك آخرًا حين يأتي أمر الله”.

عندما انتهى نوح من بناء السفينة، حان وقت الطوفان. جعل الله علامة البدء أن يفور الماء من التنّور (موقد النار).

فجأة نزل مطر غزير متواصل من السماء، وتفجرت عيون المياه من الأرض، فاجتمع الماء وأغرق كل شيء. أسرع نوح ومن آمن معه إلى السفينة، وأخذ معه من كل نوع من الحيوانات زوجين اثنين (ذكرًا وأنثى)مع عائلته والمؤمنين. بدأت السفينة تطفو فوق الأمواج العالية التي صارت مثل الجبال

نادَى نوح على أحد أبنائه الذي لم يكن مؤمنًا: “يا بُني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين!” لكن الابن أجاب: “سآوي إلى جبلٍ يحميني من الماء.” جاءت موجة هائلة فغرق الابن أمام عين أبيه. حزن نوح، لكن الله أوحى إليه ألا يحزن على من رفض الإيمان.

استمر المطر والأمواج حتى غرق جميع الكافرين.

ثم أمر الله السماء أن تتوقف عن المطر، وابتلعت الأرض الماء. رست السفينة على جبل الجودي بسلام. نجا نوح والمؤمنون ومن معهم من الحيوانات. خرجوا من السفينة شاكرين الله على نجاتهم، ووعدهم الله بحياة جديدة مباركة.

نتعلم من قصة نوح أهمية الصبر والثقة بالله. فعلى الرغم من تكذيب قومه له، بقي نوح مؤمنًا أن وعد الله حق ولن يُخلف، فنجاه الله في النهاية وجعل عاقبة الظالمين سيئة. علينا أن نستمع لنصائح الأنبياء وأن نطيع أوامر الله كي ننجو ونفوز برضاه.

شاهد ايضاً: قصص تربوية مبسطة للأطفال من سن 3 إلى 4 سنوات

قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام

وُلد إبراهيم عليه السلام في قومٍ كانوا يعبدون الأصنام.

حتى والده كان يصنع الأصنام بيده! لكن إبراهيم منذ صغره رفض عبادة الحجارة التي لا تسمع ولا ترى ولا تنفع. كان يؤمن أن الله وحده هو الإله الحق. حاول إبراهيم نصح قومه بلطف أن يتركوا عبادة التماثيل، فلم يسمعوا له. قرر إبراهيم أن يُثبت لقومه أن أصنامهم لا تملك لهم نفعًا ولا ضرًا.

فانتظر حتى خرج الناس جميعًا للاحتفال بعيدٍ لهم خارج البلدة، وتسلّل إلى معبد الأصنام وحطّمها كلها إلا صنمًا كبيرًا تركه سليمًا

عندما عاد القوم ورأوا أصنامهم المحطمة، صُدموا وصاحوا: “مَن فعل هذا بآلهتنا؟!” قال لهم إبراهيم بذكاء: “اسألوا الصنم الكبير، فهو لم يُكسر؛ ربما هو من كسر البقية!” غضب الناس وعرفوا أن إبراهيم يسخر منهم، فأدركوا أن أصنامهم لا تتكلم ولا تدافع عن نفسها. لكنهم أصرّوا على الانتقام منه لأنه حطّم آلهتهم الباطلة. قرروا عقابه بحرقه في النار.

جمعوا حطبًا كثيرًا وأشعلوا نارًا هائلة جدًا وألقوا بإبراهيم فيها ظنّ الكافرون أنهم تخلّصوا منه، لكن حدثت معجزة عظيمة: أمر الله النار ألا تحرق إبراهيم. خرج إبراهيم من النار سالمًا لم يصبه أذى. تعجّب الناس، وآمن بعضهم بأن الله حمى نبيّه، لكن آخرين بقوا على عنادهم.

استمر إبراهيم بالدعوة إلى الله، وارتحل إلى بلاد مختلفة ناشرًا التوحيد. رزقه الله في كِبَره بولد اسمه إسماعيل عليه السلام. أحب إبراهيم ابنه كثيرًا. وعندما بلغ إسماعيل سنًّا يستطيع فيه مساعدة والده، أراد الله أن يختبر إيمان إبراهيم امتحانًا كبيرًا. رأى إبراهيم في المنام أن الله يأمره أن يذبح ابنه الحبيب إسماعيل! علم إبراهيم أن رؤيا الأنبياء وحيٌ من الله، ففكّر في الأمر مليًا. ثم أخبر ابنه إسماعيل بما رأى.

لم يعترض إسماعيل الطائع لربه، وقال: “يا أبتِ افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين.” أخذ إبراهيم ابنه إلى مكان مناسب وفي لحظة التنفيذ وضعه بلطف استعدادًا لذبحه.

وفي اللحظة الحاسمة أنزل الله ملكًا من السماء ومعه كبش عظيم للفداء. نادى الملك إبراهيم أن يكفّ عن ذبح إسماعيل، فقد نجح في الاختبار الكبير. فرح إبراهيم وابنه وشكرا الله كثيرًا. لقد أراد الله أن يُظهر طاعة إبراهيم الكاملة، ومكافأةً له افتدى إسماعيل بالكبش الذي ذُبح بدل الابن.

أثبت إبراهيم بذلك أنه يُحب الله أكثر من كل شيء، حتى أكثر من أحب الناس إليه. وبعد هذه الأحداث المباركة، بنى إبراهيم مع ابنه إسماعيل بيت الله الحرام (الكعبة) في مكة، ليكون رمزًا للتوحيد وعبادة الله وحده. لذلك يُسمى إبراهيم “أبو الأنبياء” لأن أنبياء كثيرين جاءوا من نسله المبارك.

نتعلم من قصة إبراهيم أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وأن نثق بالله دائمًا. كان إبراهيم شجاعًا في قول الحق وصابرًا على الأذى، فنجّاه الله من النار. وكان مطيعًا لله في كل أمر، فجعل الله العاقبة خيرًا وبركة له ولابنه. إذا أطعنا أوامر الله بحب وإيمان، فإن الله يحمينا ويعوّضنا خيرًا دائمًا.

قصص الأنبياء مكتوبة للاطفال

قصة سيدنا موسى عليه السلام

في مصر القديمة كان هناك ملك طاغية اسمه فرعون، يُعذب بني إسرائيل (وهم قوم النبي موسى) ويستعبدهم. أصدر فرعون أمرًا ظالمًا بقتل كل مولود ذكر يُولَد لبني إسرائيل.

في تلك الظروف الصعبة وُلد طفل صغير جميل هو موسى عليه السلام. خافت أمّه عليه من جنود فرعون، فألهمها الله فكرة عجيبة رحيمة: أن تضعه في صندوق خشبي صغير وتلقيه في ماء نهر النيل جاريًا! يا للعجب، وضعت الأم ثقتها بالله وفعلت ذلك وهي حزينة وخائفة، لكنها تؤمن بوعد الله.

حمل ماء النهر الصندوق بلطف حتى وصل قرب قصر فرعون. هناك وجدت زوجة فرعون (اسمها آسية) ذلك الصندوق وفتحتْه، فرأت طفلًا جميلًا يبكي. أحبّته من قلبها وتعلقت به، واستعطفت فرعون أن يبقيه حيًا ويتبنياه كولد لهما. قبل فرعون على مضض، ونشأ موسى عليه السلام آمِنًا في قصر فرعون كالابن الأمير.

كبر موسى في قصر فرعون، لكنه كان يعلم أنه من بني إسرائيل ويرى ظلم فرعون لقومه. في أحد الأيام رأى موسى رجلين يتشاجران، أحدهما مصري من قوم فرعون والآخر من بني إسرائيل، وكان المصري يضرب الإسرائيلي ويؤذيه.

دافع موسى عن الرجل المظلوم فضرب المصريَّ ضربة غير مقصودة فمات منها. فزع موسى وندم على ما حصل، وصار يخشى أن يعلم فرعون بالأمر فينتقم منه. وبالفعل، في اليوم التالي انتشر الخبر، فهرب موسى من مصر متوجهًا إلى أرض بعيدة اسمها مَدْيَن.

عاش موسى في مديَن سنوات عديدة بأمان، وتزوج هناك ابنةَ نبيّ الله شعيب عليه السلام. وبعد نحو عشر سنوات، حان الوقت ليعود إلى مصر في مهمة من الله. في طريق عودته، وبينما موسى مع أسرته في صحراء سيناء ليلاً، رأى نارًا مشتعلة على جبل الطور.

ذهب نحو النار فرأى منظرًا عجيبًا: الشجرة تشتعل والنار تضيء لكن الشجرة لا تحترق! وهناك كلّمه الله تعالى وكلفه بالنبوة والرسالة أعطى الله موسى معجزتين عظيمتين ليثبت رسالته: عصاه الخشبية تتحوّل إلى حيّة كبيرة تتحرك عندما يلقيها، ويده تصبح بيضاء مشرقة بدون سوءٍ حين يخرجها من جيبه ثم تعود عادية. أمره الله أن يذهب إلى فرعون ويدعوه إلى الإيمان بالله وترك ظلمه.

عاد موسى إلى مصر شجاعًا بأمر ربه.

وقف أمام فرعون في قصره وقال له أن يكفّ عن ادعاء الألوهية وأن يؤمن بالله الواحد. قدّم موسى معجزتي العصا واليد أمام فرعون وملئه، فانبهر بعض الناس.

لكن فرعون تكبّر وقال: “إنه ساحر!” وجمع أفضل السحرة لمواجهة موسى. في يوم محدد اجتمع الناس في احتفال كبير، وألقى السحرة حبالهم وعصيّهم فخُيِّل للناس أنها تتحرك كالحيّات. ثم ألقى موسى عصاه بأمر الله، فتحولت إلى حيّة حقيقية ضخمة وابتلعت حبال السحرة كلها. أدرك السحرة أن هذا ليس سحرًا بل معجزة من الله، فآمنوا بموسى وربِّه. ازداد فرعون غضبًا واشتد إيذاؤه لموسى ومن آمن معه من بني إسرائيل.

أوحى الله لموسى أن يخرج مع المؤمنين ليلًا ويهربوا من بطش فرعون. سار موسى ومن معه حتى وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر. هناك فوجئوا بأن فرعون وجيشه يتعقبهم من الخلف بعدد هائل من الجنود والمركبات. خاف بعض بني إسرائيل وقالوا: “سنُدرَك لا محالة!” لكن موسى قال بثقة: “كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ”.

أوحى الله إلى موسى أن يضرب البحر بعصاه، فانشقّ البحر إلى نصفين وصار بينهما طريق يابس للعبور. انطلق موسى وقومه يمشون وسط البحر بين جبلين كبيرين من الماء! لحق بهم فرعون وجنوده ونزلوا وراءهم في نفس الطريق. ولما وصل موسى ومن معه إلى الجانب الآخر بسلام، أمر الله البحر أن يعود كما كان. فالتقى الماء وأطبق على فرعون وجنوده فجأة، فغرقوا جميعًا ولم ينجُ منهم أحد. وهكذا نجا موسى ومن معه المؤمنون بخيرٍ وأمان، وهلك الظالم فرعون وجيشه.

بعد نجاة بني إسرائيل، عاش موسى معهم يعلّمهم شريعة الله التي أنزلها عليه (التوراة). قدّم موسى لقومه كثيرًا من النصائح والعِبر، ودعاهم إلى الصبر والإيمان وهم في صحراء سيناء. ومع ذلك، كان بنو إسرائيل أحيانًا يعصون ويتذمرون، فكان موسى يصبر عليهم ويستغفر لهم، لأنه نبي رحيم وقائد حكيم.

قصة موسى مليئة بالعبر. نتعلم منها أن نثق بالله حتى في أصعب الظروف؛ فقد شقّ الله البحر لموسى وأنقذه عندما ظن الجميع أن النجاة مستحيلة. ونتعلم أن نقف مع الحق ضد الظلم بالصبر والشجاعة، مثلما وقف موسى بوجه فرعون الطاغية. كما تعلّمنا القصة أن الإيمان والصبر مفتاح الفرج والنصر بإذن الله.

قصة سيدنا يوسف عليه السلام

كان يوسف عليه السلام أحب أبناء يعقوب عليه السلام إلى قلبه. ذات ليلة رأى يوسف في المنام رؤيا عجيبة: رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر ساجدين له. قصَّ يوسف رؤياه على أبيه يعقوب. ففهم يعقوب أن هذه الرؤيا تعني شأنًا عظيمًا ينتظر يوسف، فنصحه ألا يخبر إخوته بها حتى لا يغاروا منه.

كان إخوة يوسف يلاحظون محبة أبيهم الشديدة له ولأخيه بنيامين، فملأ الحسد قلوبهم. تشاور الإخوة سرًا وقرروا التخلّص من يوسف. اقترح بعضهم قتله، لكن أخًا رءوفًا قال: “لا تقتلوه، بل اطْرَحوه في بئرٍ بعيدة يلتقطه بعض المسافرين” . وافق الإخوة على الخطة الشريرة. طلبوا من أبيهم أن يذهب يوسف الصغير معهم للرعي واللعب خارج البيت. تردد يعقوب في البداية وقال: “أخاف أن تلهوا عنه فيأكله الذئب”، لكنهم أصروا وأقسموا أن يحفظوه. فأرسله معهم.

خرج الإخوة ومعهم يوسف الصغير (كان عمره حوالي 12 سنة). وفي الطريق عند بئر عميقة مظلمة نفذوا خطتهم السيئة: نزعوا قميص يوسف وألقوه في البئر! عادوا إلى أبيهم في المساء يبكون ومعهم قميص يوسف ملطخ بدمٍ كاذب، وزعموا: “ذهبنا نلعب وتركنا يوسف عند متاعنا، فجاء ذئب شرير وأكله… هذا قميصه ملطخ بالدم!”

حزن يعقوب بشدة وقال: “بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا… فصبر جميل والله المستعان.” شعر يعقوب في قلبه أن أبناءه يكذبون، فصبَرَ جميلًا ودعا الله أن يحفظ يوسف. أما يوسف المسكين فكان وحيدًا في ظلام البئر لكنه لم يفقد الأمل، وظل يدعو الله وينتظر رحمته.

بعد يومٍ مرّت قافلة قرب البئر، فأرسلوا رجلًا ليستقي ماءً. أنزل الدلو فتعلق يوسف بالحبل وصعد معه! فرح المسافرون بهذا الصبي الجميل وأخفوه ليبيعوه كعبد في مصر .

وهكذا بيع يوسف لعزيز مصر (وهو وزير مهم) بثمن قليل. لكن العزيز وزوجته لم يكن لديهما أولاد، فأكرما يوسف وأحبّاه كابن. نشأ يوسف في بيت العزيز حكيمًا وجميلًا وأمينًا.

عندما كبر يوسف وصار شابًا وسيمًا قويًا، أحبته زوجة العزيز حبًا شديدًا، وأرادت منه أمرًا سيئًا يغضب الله. حاولت إغراءه بشتى الطرق، لكنه رفض ذلك رفضًا قاطعًا خوفًا من الله ووفاءً لسيّده الذي أكرمه. فلما أصرَّ على طاعة الله وامتنع عن الحرام، غضبت زوجة العزيز ولفّقت له تهمةً كبيرة، وأقنعت زوجها بحبس يوسف البريء في السجن. وهكذا دخل يوسف السجن ظلمًا، لكنه صبر ووثق أن الله معه.

في السجن، منح الله يوسف موهبة تفسير الأحلام.

التقى يوسف بسجينين لكل منهما حلم غريب، ففسره لهما بدقة وتحقّق ما قاله. أحدهما (ساقي الملك) خرج من السجن وعاد لخدمة الملك، والآخر (الخباز) أُعدِم كما أخبرهم يوسف تمامًا. وبعد مدة، رأى ملك مصر رؤيا عجيبة: سبع بقرات سمينة يأكلهن سبع بقرات نحيلة، وسبع سنابل خضر وأخرى يابسات. احتار الملك في تفسير حلمه وفزع منه.

عندها تذكّر ساقي الملك حكمةَ يوسف ومهارته في تعبير الرؤى. أخبر الملك عن يوسف الصدّيق، فأمر الملك بإخراج يوسف من السجن. فسّر يوسف رؤيا الملك: أخبره أن تأويل الحلم أن مصر سيأتيها سبعُ سنواتٍ مليئة بالخير والمحاصيل الوفيرة، ثم يتبعها سبع سنوات قحط وجفاف يأكل الناس فيها ما خزنوه. نصحهم يوسف بأن يدخروا القمح في سنين الخير استعدادًا لسنين الجوع. أُعجب الملك بتفسير يوسف وبحكمته وأمانته.

قرر الملك أن يخرج يوسف من السجن ويقربه إليه. لكن يوسف اشترط أولًا أن تُثبَتَ براءته أمام الناس في قضية امرأة العزيز. جمع الملك نسوة القصر ومنهن امرأة العزيز، فاعترفن جميعًا ببراءة يوسف ونزاهته، ووبّخت امرأةُ العزيز نفسها وقالت: “أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين.” ظهرت براءة يوسف علنًا وأكرمه الملك بأن عيّنه وزيرًا على خزائن مصر (أي مسؤول المال والغلال). أصبح يوسف عزيز مصر الجديد بفضل الله ثم بفضل صدقه وصبره.

حلّت سنوات القحط والجفاف التي أصابت بلاد مصر وما حولها، ومنها أرض كنعان حيث يعيش يعقوب وأبناؤه. سمع يعقوب أن عزيز مصر الحكيم يمنح الناس طعامًا من مخازن مصر، فأرسل أبناءه (ما عدا بنيامين الأصغر) ليشتروا قمحًا.

دخل إخوة يوسف على العزيز (وهو يوسف نفسه!) ولم يعرفوه فقد مرت سنون طويلة وأصبح في منصب كبير ويلبس كالملوك. رحّب يوسف بهم وأعطاهم ما طلبوا، لكنه تظاهر بأنه لا يعرفهم. وسألهم عن أحوالهم وقال كأنه غريب: هل لكم أخ آخر؟ قالوا نعم، أخونا الصغير (بنيامين) بقي عند أبيه. قال لهم: إذا جئتم مرة أخرى فأتوا بأخيكم هذا معكم، وإلا لن أعطيكم شيئًا.

عاد الإخوة بالقمح إلى أبيهم وذكروا له ما طلبه عزيز مصر، وطلبوا أخذ بنيامين معهم في الرحلة القادمة. لم يشأ يعقوب أن يفرّط بابنه الصغير بعد ما حصل ليوسف، لكنه وافق في النهاية بعد أن عاهده الأبناء بالله أن يحافظوا عليه.

في المرة التالية جاءوا ببنيامين إلى يوسف. فرح يوسف كثيرًا برؤية شقيقه الصغير واحتال ليبقيه عنده: جعل أحد عمّاله يضع كأسًا فضية خاصة بالملك في متاع بنيامين خفية. ثم أعلن المنادي أن كأس الملك ضاعت، وفتش الجنود أمتعة القادمين، فوجدوا الكأس في خرج بنيامين! ظن الإخوة أن أخاهم سرق (مع أن الأمر كان مكيدة من يوسف)، فأُخذ بنيامين ليبقى عبدًا عقابًا له. صُدم الإخوة وعادوا إلى أبيهم دون أخيهم هذه المرة. فحزن يعقوب حزنًا شديدًا وفاضت عيناه من البكاء حتى فقد بصره. قال لهم: ارجعوا وابحثوا عن يوسف وأخيه ولا تيأسوا من رحمة الله.

رجع الأبناء مرة ثالثة إلى مصر وهم في حال سيئة. دخلوا على يوسف وقال كبيرهم: “أيها العزيز، مَسَّنا الضرّ نحن وأهلنا، وجئنا ببضاعة قليلة، فأوفِ لنا الكيل وتصدق علينا…” وتأثروا جدًا. عندها قرر يوسف أن يكشف لهم الحقيقة؛ سألهم: “هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه وأنتم جاهلون؟” صُدم الإخوة… وقالوا: “أإنك لأنت يوسف؟!” قال بهدوء: “أنا يوسف وهذا أخي، قد مَنَّ الله علينا.

خجل الإخوة وندموا على فعلتهم القديمة، وقالوا: “تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين.” اعترفوا بخطئهم وطلبوا منه العفو. فما كان من يوسف الحنون إلا أن قال فورًا: “لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.” سامحهم من قلبه ولم يعاتبهم بكلمة سوء. ثم أعطاهم قميصه الخاص وقال: “اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتي بصيرًا، وأتوني بأهلكم أجمعين.”

عاد الإخوة إلى كنعان، وقبل أن يصلوا وضعوا قميص يوسف على وجه أبيهم فعاد بصره بإذن الله، وفرح يعقوب فرحًا شديدًا وعلم أن يوسف حيّ! ارتحل يعقوب وأبناؤه جميعًا إلى مصر.

دخلوا جميعًا على يوسف. كان لقاءً مؤثرًا جدًا. رفع يوسف أبويه على عرش ملكه احترامًا لهما، وخرّ إخوته له سجدًا (تحيةً وتكريمًا بحسب شريعتهم آنذاك). فتذكر يوسف رؤياه القديمة وقال: هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقًا. شكر يوسف ربه وطلب أن يتوفاه مسلمًا ويلحقه بالصالحين.

قصة يوسف من أروع قصص الصبر والإيمان.

نتعلم منها أن من يصبر على الشدائد ويحسن الظن بالله فإن الله سينجيه ويرفع شأنه في النهاية. صبر يوسف على ظلم إخوته وعلى دخوله السجن ظلمًا، فكافأه الله بأن مكّنه في أرض مصر وجمعه بأهله. ونتعلم قيمة العفّة والأمانة؛ فقد ابتعد يوسف عن المعصية وواجه الفتن بصمود، فرأى كيف أنجاه الله وأظهر براءته. ونتعلم أيضًا أهمية التسامح؛ يوسف لم يُعاقب إخوته على ما فعلوه به، بل سامحهم وعفا عنهم بلطفوهذا يُعلّمنا أن العفو عند المقدرة خُلُقٌ عظيم يرضاه الله ويثيب عليه.

قصة سيدنا عيسى عليه السلام

كانت مريم ابنة عمران امرأة صالحة عابدة لله، وكانت من أطهر النساء. اعتزلت مريم في محرابها تتعبد الله وحدها. وفي يوم من الأيام جاءها الملاك جبريل عليه السلام على هيئة رجلٍ حسن الخَلق. فخافت مريم وقالت: “إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا”. فقال لها جبريل: “إنما أنا رسول ربكِ لأهبَ لكِ غلامًا زكيًا”.

تعجبت مريم وقالت: “أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟!” قال لها جبريل: “هكذا قال ربكِ: هو عليّ هيّن. إذا أراد الله أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون.” ونفخ جبريل بأمر الله في جيب ثوب مريم، فحملت بإذن الله بمعجزة عظيمة

حملت مريم بابن دون أن يمسها رجل، وهذا أمر لم يحدث مثله أبدًا.

كان الحمل اختبارًا لمريم الصديقة في إيمانها وصبرها. وعندما حان وقت ولادتها، خرجت إلى مكان بعيد وحدها. اشتد عليها الألم واستندت إلى جذع نخلة وهي تتمنى لو لم تكن في هذا الموقف الصعب. فناداها صوت من تحتها يطمئنها: “لا تحزني، قد جعل ربك تحتكِ سريًا (جدول ماء صغير)، وهزّي إليكِ بجذع النخلة تساقط عليكِ رطبًا جنيًا، فكلي واشربي وقَرِّي عينًا.” ولدت مريم ابنها المبارك وحدها، وأراحها الله بالرطب اللذيذ والماء البارد.

حملت مريم مولودها وعادت به إلى قومها. فلما رأوها تحمل طفلًا غضبوا وظنوا بها سوءًا، وقالوا: “يا مريم! لقد جئتِ شيئًا فَريًّا (أمرًا عظيمًا منكَرًا)!” كانت مريم قد نذرت ألا تتكلم ذلك اليوم، فأشارت إلى الطفل ليكلموه هم.

فقالوا مستنكرين: “كيف نكلم من كان في المهد صبيًا؟!” وهنا أنطق الله الرضيع بمعجزة مذهلة، فتكلم عيسى عليه السلام وهو طفل رضيع أمام الجميع قائلاً: “إني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبيًا. وجعلني مباركًا أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا”. صُدم الناس لسماعهم هذا الطفل يتكلم بهذه الفصاحة عن نفسه ونبوته وعن عبوديته لله. وبرّأ أمه الطاهرة مما ظنّوا بها، فعلم الجميع أن مريم بريئة وشرفها عظيم عند الله.

نشأ عيسى عليه السلام بارًا بأمه مريم ومحبًا للخير. وعندما بلغ نحو 30 سنة، أنزل الله عليه الإنجيل وجعله نبيًا رسولًا إلى بني إسرائيل. كانت رسالة عيسى مثل كل الأنبياء: يدعو الناس لعبادة الله وحده ورفض الشرك والظلم.

أيده الله بمعجزات باهرة ليلين قلوب بني إسرائيل: فقد كان يشفي المرضى بإذن الله؛ يبرئ الأكمه (الذي وُلِد أعمى) فيبصر، ويشفي الأبرص صاحب المرض الجلدي الشديد. وكان يحيي الموتى بأمر الله، فيقوم الميت حيًا أمام أعين الناس. ومن معجزاته أنه صنع من الطين شكل طير ثم نفخ فيه فطار طيرًا حيًا بإذن الله. ومن آياته العظيمة أيضًا أن الله أنزل له مائدة من السماء عليها طعام ليأكل هو وأتباعه، فكانت عيدًا لهم ولمن يأتي بعدهم. ومع كل هذه الآيات العظيمة، آمن بعض بني إسرائيل بعيسى عليه السلام ولكن كثيرين منهم كذبوه للأسف.

كان لعيسى عليه السلام اثنا عشر حواريًا (أي تلميذًا مخلصًا) يساعدونه في نشر رسالة الله. ولم يَدَّعِ عيسى أبدًا أنه إله أو ابن إله – حاشاه – بل قال دائمًا إنه عبد الله ورسوله ولكن رؤساء بني إسرائيل في زمانه خافوا على مناصبهم إذا آمن الناس بعيسى، فقرروا التخلص منه. حاولوا إيذاء النبي عيسى مرارًا، وفي النهاية تآمروا مع بعض جنود الرومان على قتله وصلبه.

أخبر الله نبيه عيسى أن قومه يخططون لقتله وأنه سينقذه منهم. ففي إحدى الليالي جاءت مجموعة من الجنود لتنفيذ مؤامرة القتل، فرفع الله عيسى إليه إلى السماء وأنجاه من أيديهم وحدث أمر عجيب: شبّه اللهُ أحدَ الخونة من أعداء عيسى – يُقال إن اسمه يهوذا – بشكل عيسى تمامًا، فقبض الجنود على ذلك الرجل ظنًا منهم أنه عيسى وصلبوه وقتلوه وهم يعتقدون أنهم قتلوا عيسى.

لكن القرآن الكريم أخبرنا الحقيقة بوضوح فقال: “وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم”؛ أي أن أعداء عيسى لم يتمكنوا منه أبدًا. رفع الله عيسى بجسده وروحه إلى السماء تشريفًا له وحماية، وبقي حيًا هناك. وسيعود إلى الأرض قبيل يوم القيامة ليقتل المسيح الدجال ويعيد الناس إلى طريق الله القويم.

نبي الله عيسى مثالٌ في الرحمة والتواضع. كان يمسح على رؤوس الفقراء والمرضى ويدعو لهم بالشفاء بإذن الله، ويحب الخير حتى لأعدائه. واجه الكثير من التكذيب والأذى لكنه ظل يدعو إلى المحبة والسلام.

ونحن المسلمون نؤمن أن عيسى عليه السلام رسول كريم من أولي العزم من الرسل، ونحبّه ونجلّه، ونؤمن بأن معجزاته كانت بإذن الله وقدرته وليست من نفسه. ونتعلم من قصته قيمة الطاعة لله والثقة بنصره مهما اشتد مكر الأعداء؛ فعيسى رغم محاولة قتله نجّاه الله ورفعه. ونتعلم الرحمة بالناس والصبر على هدايتهم بالرفق، كما نتعلم من عيسى أن نقول دومًا: “إني عبد الله” – فنفتخر بعبوديتنا لله وحده.

قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

وُلد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة عام الفيل (حوالي سنة 570 ميلادية). مات والده عبد الله قبل مولده، فنشأ محمدٌ يتيم الأب. ولما بلغ ست سنوات توفيت أمه آمنة أيضًا، فاعتنى به جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب. كان محمد صلى الله عليه وسلم في صغره يرعى الأغنام لأهل مكة، وكان صادقًا أمينًا حتى لقبه الناس “الصادق الأمين”. لم يسجد لصنم قط في حياته، بل كان يتأمل في خلق الله ويميل للتعبد وحده بعيدًا عن الناس.

كبر محمد ﷺ وعُرف بطيب أخلاقه وحكمته. عمل في التجارة بأمانة، وخرج في رحلات تجارة إلى الشام مع عمه. ولما عرفته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأعجِبت بأخلاقه، عرضت عليه الزواج بواسطة صديقتها، فوافق محمد وتزوج خديجة وكان عمره 25 عامًا وهي في الأربعين. عاشا في سعادة واحترام متبادل، وكانت خديجة أوّل من آمن به وسانده بعد النبوة.

كان محمد يحب الخلوة والتفكير في خلق الله. اعتاد أن يذهب إلى غار حراء في جبل قرب مكة ليتعبد الله على ملة إبراهيم. عندما أتمَّ رسول الله ﷺ أربعين عامًا، نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي وهو يتعبّد في الغار.

قال جبريل: “اقرأ!” فقال محمد: “ما أنا بقارئ (لا أعرف القراءة).” فضمّه جبريل ثم أرسله وقال ثانية: “اقرأ!” فقال محمد: “ما أنا بقارئ.” في الثالثة قال جبريل: “اقرأ باسم ربك الذي خلق…” وكانت هذه أول آيات القرآن الكريم تنزل على قلب النبي محمد ﷺ. ارتجف رسول الله ونزل من الغار خائفًا مما حدث معه. عاد إلى بيته مرعوبًا وقال لزوجته خديجة: “زمّلوني زمّلوني (غطّوني)!” وحكى لها ما حدث، فطمأنته خديجة وقالت له كلمتها الشهيرة: “والله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.

كانت خديجة تثق أن من كان مثله في الأخلاق الكريمة لا يجزيه الله إلا خيرًا. أخذته خديجة بعد ذلك إلى ابن عمها ورقة بن نوفل (وكان شيخًا عالمًا بالكتب السماوية)، فأخبره ورقة أن الذي جاءه هو جبريل مثل ما جاء إلى موسى، وبشّره أنه نبي هذه الأمة.

بدأ النبي محمد ﷺ دعوته سرًا في مكة مدة ثلاث سنوات. آمنت به زوجته خديجة، وصديقه أبو بكر، وابن عمه الصغير علي بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة، وعدد قليل آخر في السر.

كانوا يجتمعون سرًا في دار الأرقم ليتعلموا القرآن ويعبدوا الله. وبعد ثلاث سنوات أمر الله نبيه بالجهر بالدعوة. صعد النبي على جبل الصفا ونادى قبائل مكة، ودعاهم إلى ترك عبادة الأصنام وعبادة الله وحده. غضب معظم أهل مكة لأنهم كانوا متعصبين لدين آبائهم الوثني. بدأت قريش تؤذي النبي ﷺ وأصحابه بشتى الطرق.

تحمل النبي الأذى بصبر وشجاعة؛ كانوا يسخرون منه، ويضعون الشوك والقاذورات أمام بيته، بل إن بعضهم ألقى أحشاء جمل على ظهره وهو ساجد يصلي! لكن النبي لم يرد الإساءة بالإساءة. اشتد تعذيب المشركين للمسلمين، فأذن النبي لبعض أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة، لأن فيها ملكًا عادلًا لا يُظلَم عنده أحد.

استمرت قريش في عنادها، وحاولوا مساومة النبي ﷺ بالمال والملك ليترك الدعوة، فأبى. قال عمه أبو طالب للنبي: “يا ابن أخي، أبقِ على نفسك ولا تحمّلني ما لا أطيق!” ظن أبو طالب أن محمدًا قد يتراجع، فقال النبي ﷺ كلمته المشهورة: “والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يُظهره الله أو أهلك دونه”. أي أنه مستحيل أن يترك الدعوة مهما فعلوا.

مر النبي ﷺ بمحن شديدة في مكة. في عام واحد توفي عمه أبو طالب الذي كان يحميه، ثم بعده بثلاثة أيام توفيت زوجته الحبيبة خديجة رضي الله عنها. حزن النبي حزنًا شديدًا، وسُمّي ذلك العام “عام الحزن”.

بعد وفاة أبي طالب، تجرأت قريش على النبي أكثر. خرج النبي إلى مدينة الطائف يدعو أهلها للإسلام، فردّوا عليه أسوأ رد ورموه بالحجارة حتى أدمت قدماه الشريفتان. جاءه ملك الجبال بإذن الله يعرض أن يطبق عليهم الجبلين عقابًا لهم، لكن النبي الرحيم قال: “لا، لعل الله يُخرج من أصلابهم من يعبُد الله وحده”. ودعا لأهل الطائف بالهداية رغم أذاهم الكبير له.

لتخفيف آلام النبي ﷺ وحزنه، أكرمه الله برحلة الإسراء والمعراج العجيبة. جاءه جبريل ليلاً فركب البُراق (دابة سماوية سريعة) من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس، وهذه رحلة الإسراء.

وهناك صلى النبي بالأنبياء جميعًا إمامًا. ثم عُرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات السبع، حتى وصل إلى سدرة المنتهى في الجنة العالية، وهذه رحلة المعراج. رأى في المعراج من آيات الله العظيمة، وكلمه الله وفرض عليه الصلاة خمس مرات في اليوم. عاد النبي تلك الليلة إلى مكة وأخبر الناس بما حدث، فصدّقه من صدّق (مثل أبي بكر الذي لُقّب بالصديق)، وكذّبه آخرون لأن عقولهم لم تستوعب قدرة الله الخارقة.

اشتد عداء كفار مكة للنبي ﷺ وتآمروا على قتله، فأمره الله أخيرًا بالخروج من مكة سرًا إلى مدينة يثرب (المدينة المنورة). هذه هي الهجرة النبوية التي كانت فتحًا جديدًا للإسلام.

خرج النبي مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه ليلًا واختبأ في غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأ طلب المشركين لهما، ثم تابعا الطريق. استقبله أهل المدينة بفرح عظيم، وسمّوه “طَلْعَ البدرُ علينا” تشبيهًا بطلع القمر من فرحتهم.

نصره هناك المهاجرون (الذين هاجروا معه من مكة) والأنصار (سكان المدينة الأصليون). آخى النبي بين المهاجرين والأنصار وجعلهم إخوانًا متحابين يتقاسمون كل شيء. بنى أول مسجد في الإسلام في قباء قرب المدينة، ثم بنى المسجد النبوي في المدينة المنورة حيث كان يخطب ويعلم الناس.

بدأت دولة الإسلام في المدينة تسودها المحبة والمساواة. انتشر العدل والأخوة بين المسلمين، واضطروا لخوض معارك دفاعية ضد اعتداءات المشركين (مثل غزوة بدر وأحد والأحزاب وغيرها). كان النبي ﷺ قائدًا شجاعًا وفي الوقت نفسه رحيمًا؛ فقد أوصى جيشه ألا يقتلوا طفلًا ولا امرأة ولا شيخًا، وألا يقطعوا شجرًا أو يؤذوا حيوانًا بلا ضرورة.

بعد ثماني سنوات من الهجرة، عاد النبي ﷺ منتصرًا إلى مكة على رأس جيش كبير من المسلمين. دخلها متواضعًا شاكرًا لله، وطهّر الكعبة من الأصنام التي كانت فيها.

خافت قريش مما سيفعله النبي بهم، فهو الآن قويٌّ قادر على الانتقام. لكن النبي صلى الله عليه وسلم صاحب خُلُق عظيم. جمع أهل مكة وقال لهم: “ما تظنون أني فاعل بكم؟” فقالوا (خائفين): “أخٌ كريم وابن أخٍ كريم.” فتبسّم رسول الله وقال: “اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء”. عفا عنهم جميعًا ولم يعاقبهم على كل ما فعلوه به وبأصحابه، مُظهرًا بذلك رحمته وسماحة الإسلام في العفو عند المقدرة. دخل أهل مكة في الإسلام أفواجًا متأثرين بعفوه وصفحه الجميل.

اكتملت رسالة الإسلام ونزل قول الله: “اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا”. حج النبي ﷺ حجته الأخيرة التي سُمّيت حَجّة الوداع، وودّع الناس بخطبته العظيمة التي رسّخ فيها مبادئ الإسلام من رحمة وعدالة ومساواة، وقال: “ليبلغ الشاهد منكم الغائب.” بعد ذلك بوقت قصير، مرض النبي ﷺ وانتقل إلى جوار ربه في المدينة المنورة في العام الحادي عشر للهجرة (632م) بعدما بلّغ رسالة ربه كاملة. حزن المسلمون حزنًا شديدًا على فراقه، لكنهم حفظوا وصاياه واتبعوا سنته، ونشروا دين الله في الآفاق.

قصة نبينا محمد ﷺ تعلم الأطفال والكبار معاني عظيمة. فقد كان أصدق الناس حديثًا وأحسنهم خلقًا حتى قبل بعثته. تحمّل الأذى بصبر وإحسان، ولم يكن فظًا ولا غليظ القلب.

كان رحيمًا بالفقراء واليتامى، عطوفًا على الصغار، زاهدًا في الدنيا. ما غضب لنفسه قط، بل كان يعفو ويصفح عند المقدرة – حتى إنه عفا عن أعدائه الذين آذوه عندما انتصر عليهم. وقال: “خيركم خيركم لأهله”، فكان كريم المعاملة مع زوجاته وأولاده. أحبّه الأطفال فكان يداعبهم ويبتسم لهم؛ كان إذا مرّ على الصبيان يسلّم عليهم، وإذا سمع بكاء طفل وهو يصلي خفف الصلاة رحمة بأمه.

وكان رفيقًا بالحيوانات فلا يؤذيها، ونهى أصحابه عن تعذيب أي مخلوق. بهذه الأخلاق العظيمة غيّر النبي ﷺ العالم، ونشر دين الله في كل مكان. ونحن اليوم نتبع سنته وتعاليمه، ونقتدي بأخلاقه الكريمة، فنكون صادقين وأمناء ورحماء مثل نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *